المقابر الجماعية بين النفي والاثبات
هذا وذاك وتلك راحوا جميعا يخوضون غمار موضوع شائك.
رأيان متناقضان يحاول كل واحد منهما ان يثبت سداده!
و الجميع يتسائل هل هناك مقابر جماعية في العراق ام انها مجرد اكذوبة.
حجة من كانت الاقوى ووجهة نظر من الاحرى بالتصديق؟
في جانب انبرى من لاتنقصه المعرفة ولا الحيلة اوالدهاء ولايعدم بذل خالص الجهد برغم المشقة ليقول هي وهم كامل ومحض افتراء.
فيما راح الاخر يبكي و يستحضر من الذاكرة رائحة الدم المسفوك ويبحث عن ادلة الوجود للقبر المفقود ويحلف بالقبلتين وبالحسن والحسين انه كان شاهدا على استخراج رفات المغدورين من قبور جادت بهم مكرمات صدام حسين.
الطرف الاول سيؤيده كثيرون ان لم يكونوا عراقيين لان الجرح لايحس بالامه الا صاحبه.
ومن لم يعش الماضي العراقي ويكتوي بناره سيحكم على مجريات هذا السجال بعقله وحسب وستستهويه لغة الارقام والتواريخ والجهد المفخّم برشيق العبارة والدلائل المنتقاة.
اما الطرف الاخر فسيبصم على رايه العراقيون ولو اتيتهم بمحمد الرسول ليحلف باسم الله امامهم بانه رأي باطل ذلك ان شهود الحدث مازالوا احياء يشمون الهواء والتزوير يحتاج لزمن لتصدقها الاجيال القادمة التي لم ترّ لكنها سمعت وستقرأ لمن يشكك بالامر وستعمل العقل دون القلب في تقليب الامر على اجنابه ومن ثم سيصدرون حكمهم تحت تاثيرات من ينفي ومن يؤكد ويتبعون صاحب الحجة الاقوى او من هو عارف كيف يجعل حجته تبدو الاقوى فهذا الصاحب ان امتلك ادوات الوعي الراسخ والعلم النافذ واللغة وانعدم عنده الضمير فراح يستعمل ادواته ويطوّعها في خدمة الشر تحت غطاء البحث عن الحقيقة وسخّر كل ذلك ليلوي الحقائق فتصير الحقيقة في خطابة وهم والعكس صحيح ويدعم مايريد بالادلة المختارة بدقة بما يخدم اهدافه تضيع الاجيال القادمة في (حيص بيص) من سوء الفهم مالم تتصدى الشرائح الواعية الامينة من كتاب ومنظرين وغيرهم لهذا المشروع الخبيث الذي ببساطة يريد من العراقيين ان ينسوا ماجرى لهم من مأسي وان يصفحوا عن قاتليهم بل وربما يسلموهم من جديد زمام امورهم ورقابهم ايضا واقول لكل ذلك هيهات.
لكن عند عراقيي اليوم الحاضر الامر محسوم فلا الارقام ولا قوانين الفيزياء ومعادلات الرياضيات تعني عندهم شيئا وستفشل في تغيير قناعاتهم حتى لو جافاها صواب الطروحات.
وفي الفريقين غاب اساس البناء وانصرفوا ليتفقدوا استره والنوافذ والابواب.
غاب عنهم ان من غير المهم ان اثبتت الادلة بان القبور التي جمعت رفات المقهورين والمظلومين العراقيين جميعا لاتمتلك صفات القبور الجماعية.
فما يعني المقتول الذي قتل ظلما لاسباب مختلفة في احيان كثيرة كانت شبهة واهية او يعنينا ان كانت الطلقة التي ارسلته للاخره اصابت جبهته او قفاه؟
او ان يديه كانتا موثقتان خلف ظهره او اما بطنه او طليقتان؟
مااهمية شكل القبر الذي دفن فيه وعدد مرافقيه من سييء الحظ في ذلك اليوم التعيس؟
او ان تم الدفن في مكان بعيد او قريب؟تحت جنح الليل او في واضحة النهار؟
وهل كان الرئيس القائد ونظامه المتجبر يخشى ان يعلم العراقيين اين دفنت ضحاياه كي يهتم باخفاء جريمته عن اعينهم؟
هل كان صدام يخشى الشعب ويخاف غضبتهم وثورتهم وهو يقمع تحركا جاء بعد عقود من الاستكانة يوم الانتفاضة وانتهى بايام كي يصرف الوقت والجهد ليتستر وكيف ولو اراد سيفلح في ذلك وهو الذي خلّف في كل بيت ضحية وفي كل شارع مفقود من اهل الجنوب؟
كان الرجل لمن لايدري يسرّب بنفسه بعض اسرار جرائمه ويمررها للشعب حتى يخاف الاخير ويرعوي.
كان يطبع ويوزع ملايين النسخ لمحاولات اغتيال الرمز منها الصحيح ومنها الاكذوبة حتى يسّوق للشعب منعته وخلوده فهو على الموت عصي وهو جبار لايطاله احد .
ليس مهما ان دفنت ضحايانا بقبور جماعية او فردية فالمهم ان الجريمة موجودة.
هل ضخّمت هذه القضية اعلاميا لغايات؟...فهذا ممكن.
هل بعض تلك المقابر اوهام وقصص ومسرحيات؟...ايضا ممكن.
هل يحاول البعض تسويق القضية اليوم والوقوف عندها طويلا لا من اجل اخذ العظة بل لتحقيق مكاسب سياسية وامتيازات؟...هذا اكيد.
لكنها موجودةوهذا الاهم والكل يعلم حتى من يدعي الانكار ومنكرها هذا انما يستدعي حنق وبغض اغلب اطياف الشعب العراقي وهي لن تغفر له ابدا.
...الف قبر او عشرة...فيها مليون قتيل او عشرة...كل هذا غير مهم....... المهم انها موجودة هناك تحتضنها الارض العراقية وفيها رفات عزيز على امه وحبيب على زوجته وابناءه قرر القائد سلبهم نعمة الحياة وكل هؤلاء ومعهم كل عادل لديه بعض الحياء فرحوا بعدالة السماء التي نزلت بنازلتها على الجلاد لتبشر اهل الضحايا بالقصاص العادل الذي اسكن روعهم وعزّاهم اخيرا على فقد احبتهم.
لسنا محتاجين ان نقول اكثر من ذلك .......واحد قتلته السلطة ظلما وعدوانا هو قبر جماعي بالنسبة لنا ولاتقولوا لي فماذا عن اليوم فانا انتظر ان يقف هؤلاء يوما موقف القائد بالامس والذين صدعوا رؤسنا بمعاداة نظامه ثم لم نجد احدا مخلصا لنهجه واجرامه مثلهم وقد كنت دوما اقول الجريمة لاتبررها الجريمة والخطأ هنا او هناك يبقى خطأ ولا يصوب الخطأ الصواب ولايبرر التصويب اي خطأ.
الجهد العلمي سيكون مفيدا في المستقبل حتى يعلم العراقيون حجم الحقيقة وحجم التجارة والمتاجره بقضية المقابر الجماعية والاطراف التي كذبت لاسباب انتهازية وغير وطنية.
اما الان وبعد الان ايضا فانكارها ضرب من خيال لاني على يقين بان عراقيا ماشهد قبرا حمل بصمات اولاد القائد الضرورة فانه ولاريب شهد جريمة قتل ارتكبها هؤلاء الاوباش بحق عراقي واحد او اكثر من دون وجه حق.
ولو سلمنا جدلا باكذوبة المقابر الجماعية فان الزمان الذي ورث الزمان والذي جاءنا (بالخرفان) قد اوجد في ارضنا مقابر جماعية جديدة حفرت بنفس الايادي النجسة التي لبست اثوابا جديدة تعلوها عمامات سوداء واخرى بيضاء وكلهم كانوا من اتباع القائد ومريديه بل ومن ابواقه وقتلته ايضا.
لكم راحة الموت ياسكان القبور ولنا عذاب الدنيا وشقاءها ولبعضنا ممن يعتاشون بسفك دمانا ثم بنا وبامواتنا يهزأون خلود شقاء الاخرة.
samialrubaiee@msn.com